أسطورة ظهور بحيرة مولاي بوسلهام:

الأسطورة جنس إبداع أدبي شفهي مجهول المؤلف، أبدعها خيال الشعب وظلت تتناقل وتتطور على شفاه الناس ومخيلتهم عبر القرون. ولقد ارتبطت الأسطورة دائماً ببداية الإنسانية وبطفولة العقل البشري حيث مثلت لدى كل الشعوب سعياً فكرياً بدائيا لتفسير ظواهر الطبيعة الغامضة. ولذلك اختلفت أساطير البشرية وتباين مستواها ومحتواها. فكانت أكثر تطورا لدى الشعوب المتحضرة مثل الإغريق، بينما نجدها أقل تطورا لدى الشعوب العربية والاسلامية لأسباب عدة، أهمها النظرة السلبية للدين إليها. ويشرح لنا ذلك ربما لماذا هي الأسطورة المغربية قصيرة النَّفَس وبسيطة الحبكة.
ومن خلال بحثنا في الموضوع، فقد سميت (المرجة الزرقاء) باسم بحيرة مولاي بوسلهام تيمنا باسم ولي من مشاهير أولياء منطقة الغرب والمغرب، يقع ضريحه جنوب العرائش عند المكان المسمى مشرع الحضر عند مصب المرجة الزرقاء، على مقربة من المحيط الأطلسي. والرواية الوحيدة لسيرة مولاي بوسلهام، أسطورية تشرح لنا كذلك طريقة تشكل البحيرة على يديه. وهي منقولة عن مخطوط مناقب مجهول المؤلف، عثر عليه جورج سالمون بالقصر الكبير أوائل القرن العشرين ونقله إلى الفرنسية. وعنها قمنا بالترجمة العكسية للأسطورة إلى العربية:
عندما وصل بوسلهام إلى ساحل أصيلة قادما إليه من مصر عن طريق تونس، ذهب إلى رجال الشمس في دار الشمس [موقع ليكسوس الأثري قرب العرائش] حيث وجد 45 قبرا لزهاد من المشرق والمغرب، كانوا جميعهم سبقوه إلى البحث عن الباب الصغير والصومعة المذكورة. أتوا إلى ذلك الساحل فوجدوا دار الشمس واستقروا بها لعبادة ربهم. وكانوا كلما شعروا بالبرد يخرجون منها للجلوس على عتبة الباب تحت الشمس. ظلوا على تلك الحال إلى أن أصابهم الطاعون وقضى عليهم دفعة واحدة، فدفنوا في تلك الدار التي أصبحت تحمل منذ ذلك الوقت أسماءهم، وهي دار معروفة بالقرب من العرائش.
عندما دخل الشيخ أبو سعيد بو سلهام إليها وجد بها الأولياء الزهاد على قيد الحياة، بينهم عميان فقدوا بصرهم من كثرة تعبدهم، وآخرون لم يكونوا يستطيعون الوقوف، وآخرون غيرهم التصقت جلودهم بعظامهم. حياهم بوسلهام وسألهم عن القبور فأخبروه باسم دفين كل قبر وترحموا عليهم. ثم ودعهم الشيخ بوسلهام وواصل سيره فمر من مدينة العرائش التي عاد يتحرى فيها حول الباب الصغير، ورأى شيخا من بعيد لاحظ حين اقترب منه أن عينيه زرقاوان وكان يشبه في ملامحه الأنبياء. فقد كان نحيفا عذب الأنفاس ووجهه متألق، وعليه ثياب مرقعة. حياه بوسلهام، فرد عليه الشيخ الأزرق ذو العينين الزرقاوين السلام قائلا: مرحبا بك يا من جار عليه الأمير!
فسأله بوسلهام: ما هو اسمك يا شيخ؟
رد عليه الأزرق: أنظر إلى ملامحي وسوف تعرف من أنا.
فسأله بوسلهام: هلا قبلت بي عبدا في خدمتك؟
فأجابه الأزرق: وكيف لعبد أن يتخذ له عبدا آخر؟
ذهب الشيخان بوسلهام والأزرق للتجول عند شاطئ البحر، وبينما هما مستغرقان في التأمل شاهدا رجلا يلقي شبكته في البحر، فقال بوسلهام للشيخ عبد الرحمان الأزرق: ألا تعرف من هذا الرجل الذي يصيد؟ لو أني علمت بشفاء عبد الجليل [الطيار] لقلت إنه هو بنفسه.
وكان الرجل فعلا هو سيدي عبد الجليل الطيار. سأله مولاي بو سلهام: ماذا تفعل هنا؟
رد عليه الطيار: : أصيد السمك بالصنارة.
قال له بوسلهام: «أدخل يدك في الماء وأمسك بالأسماك بدون صنارة! «
ظن سيدي عبد الجليل الطيار أن مولاي بوسلهام يسخر منه، لكنه مع ذلك أدخل يده في ماء البحر وأخرجها مملوءة بالأسماك دونما حاجة إلى صنارة. ففي كل شعرة من شعر يده كانت قد علقت سمكة. فأشار بوسلهام إلى البحر بأن يتقدم في تلك اللحظة فأطاعه، وانسحب الرجال الثلاثة إلى الباب والصومعة يتبعهم البحر الذي ولج من الباب الصغير [الذي يسمى اليوم المرجة الزرقاء] وواصل تسربه حتى وصل نقطة العبور المعروفة باسم مشرع الحضر. وعند تلك اللحظة بالذات خاطب الشيخ الأزرق مولاي بوسلهام قائلا له: يا أبا سعيد قل للبحر بأن ينسحب حتى لا يغرق الناس.
فأمر الشيخ البحر بأن يتراجع ففعل ولم يترك خلفه سوى قليل من الماء بين تلتين. فبارك أبو سعيد ماء تلك البحيرة قائلا: رب اجعل من هذه الأسماك علاجا لكل الأمراض، وباركها اللهم بحيث تلازم البركة والعلاج هذا الماء إلى يوم القيامة.
بعدما تراجع البحر دخل الشيخ بوسلهام برفقة الشيخين عبد الرحمن الأزرق وعبد الجليل الطيار إلى الصومعة المدفون فيها يوسف بن أرسطو، وانصرفوا فيها إلى عبادة الخالق لفترة من الوقت.
وفي يوم من الأيام بينما كانوا يقرؤون القرآن، أخذ الشيخ عبد الرحمن يبكي وينتحب إلى أن سقط جثة هامدة. فحزن رفيقاه، وبينما هما يبحثان عن كفن لدفنه دخلت عليهما مجموعة من الأشخاص المجهولين يحملون كفنا. وما أن نظر إليهم الشيخ بوسلهام وهو في شك من أمرهم حتى أجهش بالبكاء ثم سقط هو الآخر جثة هامدة.
فقام سيدي عبد الجليل الذي بقي وحيدا مع الرجال المجهولين بغسل جثمانَيْ رفيقيه ودفنِهما.
وعندما حفروا للشيخين قبرين وشرعوا في دفنهما، ارتفعت في الجو ريح قوية وأظلمت الدنيا بغيوم سوداء حجبت عن الأنظار الرؤية وجعلتهم يرتعدون. وعندما انجلى الظلام وجد الرجال المجهولون ثلاثة قبور [مفتوحة] وثلاثة جثث، فقاموا بدفنها من دون أن يعرفوا من كان صاحب الجثة الثالثة. وانصرف الرجال الغرباء بينما بقي الشيخ عبد الجليل وحيدا في الصومعة ثمانية أيام أخرى يبكي ليل نهار. و[عندما أدركه الموت] دفن هو الآخر على ضفة البحيرة.
ويقتضي الاستدراك أنه خارج هذه الأسطورة لكن ضمن سياقها، تزعم الروايات الشعبية حتى اليوم أن الأسماك التي تُصطاد من البحيرة (المرجة الزرقاء) مباركة وتشفي كل العلل، وتلك كرامة تحسب على بركة مولاي بوسلهام مَيِّتاً بعد أن حسبوا من بركاته تشكل البحيرة..